يستعد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر هذا الأسبوع لاجتماع مع حكومته لبحث مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية. رغم حذره المعتاد، عليه أن يقود فريقه نحو اتخاذ هذا القرار. الاعتراف لا يتجاوز كونه خطوة رمزية، لكن قوة هذه الرمزية ازدادت في ظل الأوضاع الراهنة. هذه الخطوة تندرج ضمن حزمة إجراءات يجب على بريطانيا اتخاذها للمساهمة في الضغط الدولي على إسرائيل، بهدف إنهاء القتل والنزوح والمجاعة شبه التامة في غزة.

تشاتام هاوس يشير إلى أن الاعتراف يحمل بعض التبعات السلبية. لا يمكن التراجع عنه لاحقًا، وأكثر من 140 دولة سبق وأقدمت عليه دون أن يتحقق قيام الدولة فعليًّا. في الوقت ذاته، يجتمع دبلوماسيون هذا الأسبوع في الأمم المتحدة لمناقشة خطوات عملية لتحقيق حل الدولتين.

إسرائيل سترفض الاعتراف حتمًا، إذ صرّح بنيامين نتنياهو أن الدول الأوروبية "لن تؤثر علينا ولن تدفعنا للتخلي عن أهدافنا الأساسية". كذلك، من المتوقع أن يثير هذا القرار غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يزور بريطانيا حاليًّا، ما قد يُعرّض صفقة تجارية عبر الأطلسي للخطر، وهي ضرورية للنمو الاقتصادي البريطانية 

داخليًا، يتعامل ستارمر مع اعتبارات سياسية دقيقة. منذ تولّيه قيادة حزب العمال، ركّز على محو تركة معاداة السامية. وبعد عام واحد فقط في منصبه، لا يزال يسعى لتثبيت سلطته، بخلاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستعد للاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر، قبل مغادرته السلطة نهائيًّا في مايو 2027.

لكن لماذا يُعدّ هذا الوقت هو الأنسب؟

الاعتراف يشكّل رسالة واضحة لكل من واشنطن وإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأن المملكة المتحدة ترى أن قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل الطرفين. هذه الخطوة لا تكافئ حماس على هجمات 7 أكتوبر أو على احتجازها للرهائن، بل تُضعف الحركة وتُقوّي المعسكر المعتدل، إذا شعر الفلسطينيون العاديون بأن هناك مسارًا سلميًّا يؤدي إلى السيادة والاستقلال.

الاعتراف لا يُنكر حاجة إسرائيل للأمن، بل يكرّس قناعة الحكومة البريطانية منذ سنوات بأن البديل عن الدولة الفلسطينية هو صراع دائم، يهدد أمن إسرائيل ودعم المجتمع الدولي لها، ويقوّض استقرار المنطقة بأكملها.

الخطوة كذلك تعزّز موقف السعودية ودول عربية أخرى، والتي تؤكد أن أي جهود سلام في غزة يجب أن تقترن بتقدّم ملموس نحو دولة فلسطينية. المملكة السعودية تُعدّ فاعلًا محوريًّا، إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، في إمكانية التوصل إلى تسوية شاملة. رغبتها في لعب دور قيادي في هذه المرحلة تمثل تطورًا مهمًّا، خاصة بعد سنوات من محاولات وساطة فاشلة من قِبل أطراف إقليمية أخرى.

علاقات الرياض الجيدة بإدارة ترامب تمنحها قدرة فريدة على طرح بدائل مقبولة لحماس لقيادة مستقبل الدولة الفلسطينية.

ورغم أن الفلسطينيين أنفسهم يجب أن يكونوا أصحاب القرار الأول في شكل حكومتهم المقبلة لضمان شرعيتها، إلا أن السعودية قادرة على رعاية محادثات إقليمية تجمع دولًا كالأردن ومصر وقطر والإمارات، وكلها تملك خبرات وعلاقات ميدانية مؤثرة.

الرياض أيضًا مؤهّلة لقيادة مفاوضات بشأن إعادة إعمار غزة في حال التوصل إلى تسوية سلمية.

العلاقات الطبيعية مع إسرائيل ما تزال غير مطروحة في ظل غياب وقف إطلاق النار، لكن السلام يبقى هدفًا مغريًا لتل أبيب، بما يفتح لها باب التطبيع مع دول إسلامية كإندونيسيا وماليزيا.

الاعتراف البريطاني بدولة فلسطينية يمنح مزيدًا من المصداقية للموقف السعودي في محادثاتها مع واشنطن، حتى لو لم يؤثر مباشرة على الحكومة الإسرائيلية.

https://www.chathamhouse.org/2025/07/uk-should-recognize-palestinian-state-now